سورة التوبة - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (التوبة)


        


{بَراءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكافِرِينَ (2) وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (3) إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4)} [التوبة: 9/ 1- 4].
كان النبي صلّى اللّه عليه وسلّم والمسلمون عاهدوا المشركين العرب من أهلة مكة وغيرهم في صلح الحديبية سنة ست هجرية، ثم بادر المشركون إلى نقض العهد إلا بني ضمرة وبني كنانة، فأمر اللّه تعالى بإعلان انتهاء المعاهدات مع المشركين الناكثين عهودهم، وإمهالهم أربعة أشهر ليسيروا أين شاؤوا، فإذا انتهت هذه المدة وانقضت الهدنة قاتلوهم في أي مكان.
هذه الآية حكم من اللّه عز وجل بنقض العهود والموادعات التي كانت بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، وبين طوائف المشركين الذين ظهر منهم بوادر نقض العهد. واستمر حكم العهد والميثاق مع المشركين الذين لم ينقضوا العهد.
ومعنى الآية: تبرؤ وتخلص صادر من اللّه ورسوله واصل إلى الذين عاهدتم من المشركين، ونسبت البراءة إلى اللّه والرسول لأنها تشريع جديد من اللّه، وأمر لرسوله بتنفيذه. والمقصود: أن اللّه في حكمه وشرعه بريء من عهود المشركين وأديانهم براءة عامة تقتضي المحاربة وإعمال السيف، بعد أن رفضوا أمان الإسلام، ونقضوا عهدهم مع المسلمين. وبادر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إلى إعلام المشركين بنقض العهد، فأمّر أبا بكر في السنة التاسعة على إمارة الحج، وقام علي رضي اللّه عنه بإعلام الناس يوم عرفة بهذه الآية، إثر خطبة أبي بكر، ثم رأى الرسول أنه لم يعلم الناس بالإعلان، فتتبعهم بالأذان بهذه الآية وإعلامهم بها يوم النحر، وبعث أبو بكر مع علي من يعينه بذلك كأبي هريرة رضي اللّه عنه وغيره، فأعلموهم بها في أسواق العرب كذي المجاز وغيره، وحددت لهم مدة الهدنة بأربعة أشهر وهي عشرون من ذي الحجة والمحرّم وصفر وشهر ربيع الأول وعشر من ربيع الآخر. وكان تحديد هذه المدة ليفكروا في أمرهم، فيختاروا إما الإسلام وإما القتال. وأنذرهم اللّه بأن يعلموا علم اليقين أنهم لن يفلتوا من عذاب اللّه بالهرب والتحصين إن بقوا على الشرك وعداوة الإسلام، وأن اللّه مخزيهم، أي مذلهم في الدنيا بالقتل، وفي الآخرة بالعذاب في النار.
وتضمنت الآية إعلان براءتين: البراءة الأولى مختصة بالمعاهدين والناقضين العهد منهم، والبراءة الثانية المعبر عنها بالأذان من اللّه ورسوله عامة لجميع الناس، من عاهد ومن لم يعاهد، ومن نكث عهده من المعاهدين ومن لم ينكث، وكان إعلان البراءتين يوم الحج الأكبر وهو يوم عرفة، حيث وقع أول الأذان أي الاعلام، ثم يوم النحر حيث وقع إكمال الأذان.
وصيغة الإعلان هي كما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مؤذنين بعثهم يوم النحر يؤذنون بمنى: ألا لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.
وقال علي أيضا: ولا يدخل الجنة إلا كل نفس مؤمنة، ومن كان بينه وبين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عهد فهو إلى مدته، ومن لم يكن له عهد، فأجله أربعة أشهر، وأن يتم إلى كل ذي عهده عهده.
ثم أكد اللّه تعالى الاعلام أو التبليغ الفوري فقال: { فَإِنْ تُبْتُمْ} أي فإن تاب المشركون بعد هذا الإعلان عن الشرك فهو خير لهم، أي أنفع لهم في الدنيا والآخرة، وإن تولوا عن الإيمان وأعرضوا عن الإسلام، فليعلموا أنهم غير معجزي اللّه، أي غير فائتي عذابه، فإنهم لن يفلتوا منه، فإنه محيط بهم، ومنزل عقابه عليهم، ولا طاقة لهم بحرب اللّه في الدنيا، وأمر النبي أن يبشرهم- على سبيل التهكم- بعذاب مؤلم شديد في الآخرة.
ثم استثنى اللّه تعالى من مدة الأربعة الأشهر أصحاب العهود المؤقتة بمدة معينة، فإن عهدهم ينتهى بانتهاء المدة التي عوهدوا عليها، فهؤلاء تحترم عهودهم، ما داموا لم يخلّوا بشيء من شروط العهد، ولم يعاونوا على المسلمين عدوا، كبني ضمرة وبني كنانة، لأن اللّه يحب المتقين، أي الموفين بعهدهم. قال ابن عباس: بقي لحي من كنانة من عهدهم تسعة أشهر، فأتم إليهم عهدهم.
قتال مشركي العرب وأمانهم:
أوجب اللّه تعالى على المؤمنين قتال مشركي العرب في أي مكان إذا لم يؤمنوا لأنهم عدة الإسلام وقاعدته، ومنطلق الدعوة الإسلامية إلى الناس قاطبة وعليهم مسئولية تبليغ الرسالة الإلهية، فإما أن يكونوا على مستوى المسؤولية أو يبادوا، ويتحمل الأمانة جيل آخر يكون أقدر على فهم الواجب والتفاعل مع متطلبات المهام الكبرى المنوطة بهم، وقد فتح اللّه باب الأمل أمامهم، فسمح لهم بالمجيء إلى ساحة القرآن والوحي الإلهي ليفكروا فيما أنزل اللّه، عن طريق منح الأمان المشروع لكل طالب سماع كلام اللّه، قال اللّه تعالى مبينا هذين الحكمين المتلازمين: وهما القتال والأمان:


{فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6)} [التوبة: 9/ 5- 6].
تسمى الآية الأولى {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ...} آية السيف، إذ جاء فيها الأمر بالقتال العام، ومعناها إذا انقضت الأشهر الأربعة الحرم، أي التي حرم فيها القتال بين المسلمين والمشركين، وهي مدة الهدنة، من يوم النحر (الأضحى) إلى العاشر من ربيع الآخر، فافعلوا أيها المؤمنون مع المشركين ما يحقق المصلحة، ويهيئ للمسؤولية والمهام العظمى الملقاة على عاتق الأمة العربية، واتّخذوا معهم أحد التدابير الآتية:
إما القتال والقتل في أي مكان وجدوا فيه، من حرم مكة أو غيره، وإما أخذهم أسرى إن شئتم، وإما محاصرتهم في قلاعهم وحصونهم ومنعهم من الخروج منها حتى يسلموا، وإما القعود لهم في كل مرصد، أي مراقبتهم في كل موضع حتى يختاروا إما الإسلام أو القتال، وهذا خاص بمشركي العرب فقط. فإن تابوا عن الشرك الذي حملهم على قتال المسلمين وعداوتهم، وأعلنوا الإسلام وأدوا أركانه من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فخلّوا سبيلهم، واتركوهم وشأنهم واعلموا أن اللّه غفور لمن استغفره، رحيم بمن تاب إليه، وهذا وعد بالمغفرة في صيغة الخبر عن أوصافه تعالى، لمن تاب وآمن وعمل صالحا.
والتنبيه بالذات على إقامة الصلاة، لأنها أشرف أركان الإسلام الذاتية بعد الشهادتين، وبعدها أداء الزكاة التي هي أشرف الأفعال الاجتماعية، التي تحقق مضمون التكافل أو التضامن الاجتماعي، وتعالج مشكلة الفقر، حتى تتقوى الأمة كلها. قال أنس بن مالك: هذا هو دين اللّه الذي جاءت به الرسل، وهو من آخر ما نزل قبل اختلاف الأهواء، وفيه قال النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فيما رواه ابن ماجه والحاكم عن أنس: «من فارق الدنيا على الإخلاص لله وحده لا شريك له، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، فارقها واللّه عنه راض».
وليست العلاقة مع البلاد الإسلامية مغلقة، تحكم من وراء ستار حديدي، وإنما هي مفتوحة، فمطالبة المشركين بعد انتهاء مهلة الهدنة أو الأمان مدة أربعة أشهر بالإسلام أو القتال، لا تعني عدم تمكين المشركين من سماع أدلة الإيمان، فلو طلب أحد من المشركين الدليل على الإيمان والحجة على الإسلام، أو جاء طالبا استماع القرآن، أو جاء برسالة أو سفارة لإمام المسلمين، أو أراد الدخول بقصد التجارة، فإنه لا يمنع ويجب إمهاله، ويحرم قتله، ويسمح له بالتنقل في ديار الإسلام، ويجب بعد انتهاء مدة أمانه إيصاله إلى مأمنه، أو دياره ووطنه، ليكون على بيّنة من أمره، مختارا حرا فيما يقرره لأن المهم نشر الدعوة الإسلامية بالطرق السلمية، وبالإقناع العقلي، والحجة والبرهان، لأنه ليس الهدف من تشريع الجهاد سفك الدماء، أو جلب الغنائم، وإنما المهم الوصول إلى الإيمان بالله وتوحيده، وترك الكفر والجحود، وإقرار السلم والأمن، ونشر ألوية الحرية، وتهيئة مناخ المعرفة والعلم، وإطلاق حرية الفكر والرأي. وهذا الاتجاه السلمي وإيثار الأمن والسلام وإعلان مبدأ التسامح والمحبة وترك التعصب والانغلاق بسبب أن هؤلاء المشركين قوم جهلة، لا يعلمون حقيقة الإسلام وما يدعو إليه، ومن جهل شيئا عاداه، فلا بد من إعطائهم الأمان حتى يسمعوا كلام اللّه، ويفهموا الحق الذي أنزله.
وهذه الآية آية منح الأمان لغير المسلمين ذات حكم عام تشمل جميع الأهداف الدينية والسياسية والتجارية، وتعلّم وسائل المعرفة والبراهين العلمية، والاسترشاد بالأدلة العقلية الناصعة.
أسباب البراءة من عهود المشركين:
لا نجد في شرعة الإسلام أي حكم تشريعي غير قائم على أسس عقلية سليمة، وحجج منطقية رصينة، فالإسلام كله دين المنطق والعقل والحكمة، فهو حين يقرر حكما نجده منسجما مع الفطرة والأصول الفكرية والمنهجية السديدة، وحين يشتد أحيانا على قوم فبسبب ظلم هؤلاء الناس وخروجهم على مقتضى الحكمة والمصلحة، بل إنهم يعادون أنفسهم حين يتركون ما يسعدها، ويسيرون في فلك أهوائهم وشهواتهم حين يعطلون مفاتيح المعرفة والإدراك والحواس، لذا أبان القرآن أسباب إعلان البراءة من معاهدات المشركين، ورتّب على ذلك قتالهم، وتتلخص تلك الأسباب في تهورهم ومبادرتهم لنقض عهودهم، قال اللّه تعالى:


{كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (9) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)} [التوبة: 9/ 7- 10].
هذه الآيات الكريمة بيان سبب البراءة من عهود المشركين وإمهالهم أربعة أشهر، ثم مناجزتهم بكل أنواع القتال، لتطهير الجزيرة العربية من الوثنية والفوضى والهمجية، والسبب واضح من جانب المشركين وهو نقضهم العهود ومعاملتهم بالمثل.
وجاء البيان على سبيل الاستفهام الإنكاري والتعجب والاستبعاد لأن يكون لهم عهد، وهم أعداء حاقدون، مضمرون الغدر، مشركون بالله، كافرون به وبرسوله، والشرك وكر الخرافات والأباطيل، ومهد التخلف والفوضى، أي محال أن يثبت لهم عهد، فلا تطمعوا أيها المؤمنون في ذلك. وعلى أي وجه يكون للمشركين عهد، وهم قد نقضوا العهود، وجاهروا بالتعدي.
ثم استثنى اللّه من نبذ العهد مع عموم المشركين: الذين عوهدوا عند المسجد الحرام، وهو الحرم كله، أي في ناحيته وجهته، وهم قبائل بني بكر وبني ضمرة الذين لم ينقضوا عهودهم المعقودة معهم يوم الحديبية، فهؤلاء حكمهم أنهم ما استقاموا لكم فاستقيموا لهم، أي حافظوا على عهدهم ما داموا محافظين عليه، قائمين على الوفاء به. فأما من لا عهد له، فقاتلوه حيث وجدتموه إلا أن يتوب.
ثم أكد اللّه تعالى ضرورة الحفاظ على العهد والوفاء بالعقد لهؤلاء بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} أي يرضى عن الذين يوفون بالعهد، ويتقون الغدر ونقض العهد. وهذا تعليل لوجوب امتثال المؤمنين لما يأمرهم به ربهم، وتبيان بأن مراعاة العهد من باب التقوى، حتى وإن كان المعاهد مشركا.
وكرر اللّه تعالى في قوله: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ} استبعاد ثبات المشركين على العهد، فكيف يكون لهم عهد محترم، والحال أنهم إن يظفروا بكم، لم يراعوا حلفا ولا قرابة ولا عهدا، وهذا تحريض للمؤمنين على معاداتهم والتبري منهم، بل وأكثر من هذا، فمن خبثهم وضغينتهم أنهم قوم مخادعون، يظهرون الكلام الحسن بأفواههم، وقلوبهم مملوءة حقدا وحسدا وكراهية: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح: 48/ 11] وأكثرهم فاسقون، أي متمردون لا عقيدة تزعهم، ولا مروءة تردعهم، خارجون من أصول الدين والمروءة والأخلاق. وعبر تعالى بقوله: {وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ} لأن نقض العهد كان من الأكثرين.
وأردف اللّه تعالى بيان سببين آخرين للبراءة من عهود المشركين وإيجاب قتالهم وهما أولا- أنهم اشتروا بآيات اللّه ثمنا قليلا، أي استبدلوا بآيات اللّه الدالة على الحق والخير والتوحيد عوضا قليلا حقيرا من متاع الدنيا، وهو اتباع الأهواء والشهوات، والطمع بالأموال متاع الدنيا الخسيسة، فمنعوا الناس من اتباع الدين الحق فبئس العمل عملهم، وقبح ما ارتضوه لأنفسهم من الكفر والضلالة وترك الإيمان.
وثانيا- أنهم من أجل كفرهم لا يراعون في شأن مؤمن قدروا على الفتك به حلفا ولا قرابة ولا عهدا على الإطلاق، وأولئك هم المعتدون، أي المجاوزون الغاية في الظلم والشر، فأصبحوا لا يفهمون بغير لغة السيف، والخضوع للقوة، لا للعهد والذمة، والقيم والأخلاق والمبادئ.
مستقبل المشركين العرب:
أبان اللّه تعالى مصير المشركين العرب وحالهم في المستقبل بعد إعلان عداوتهم للإسلام، فإما أن يختاروا التوبة وقبول الإسلام، أو يلجأوا إلى القتال. ودخولهم في الإسلام إيثار للسلام وحقن للدماء وبناء مستقبل زاهر حافل بالأمجاد والمفاخر، واحتكامهم للقتال انتحار ودمار وتحطيم لقواهم المادية والمعنوية، قال اللّه تعالى مبينا كيفية معاملتهم في كلا الحالين:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8